فصل: تفسير الآيات (93- 94):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآيات (93- 94):

{قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94)}
علمه ما يدعو به، أي قل رب، أي يا رب إن أريتني ما يوعدون من العذاب. {فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} أي في نزول العذاب بهم، بل أخرجني منهم.
وقيل: النداء معترض، و{ما} في {إِمَّا} زائدة.
وقيل: إن أصل إما إن ما، ف {إن} شرط و{ما} شرط، فجمع بين الشرطين توكيدا، والجواب: {فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، أي إذا أردت بهم عقوبة فأخرجني منهم. وكان عليه السلام يعلم أن الله تعالى لا يجعله في القوم الظالمين إذا نزل بهم العذاب، ومع هذا أمره الرب بهذا الدعاء والسؤال ليعظم أجره وليكون في كل الأوقات ذاكرا لربه تعالى.

.تفسير الآية رقم (95):

{وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (95)}
نبه على أن خلاف المعلوم مقدور، وقد أراه الله تعالى ذلك فيهم بالجوع والسيف، ونجاه الله ومن آمن به من ذلك.

.تفسير الآية رقم (96):

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (96)}
قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} أمر بالصفح ومكارم الأخلاق، فما كان منها لهذه الامة فيما بينهم فهو محكم باق في الامة أبدا. وما كان فيها من معنى موادعة الكفار وترك التعرض لهم والصفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال. {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ} أي من الشرك والتكذيب. وهذا يقتضى أنها آية موادعة، والله تعالى أعلم.

.تفسير الآيات (97- 98):

{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)}
قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ}. فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ} الهمزات هي جمع همزة. والهمز في اللغة النخس والدفع، يقال: همزة ولمزه ونخسه دفعه. قال الليث: الهمز كلام من وراء القفا، واللمز مواجهة. والشيطان يوسوس فيهمس في وسواسه في صدر ابن آدم، وهو قوله: {أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ} أي نزغات الشياطين الشاغلة عن ذكر الله تعالى.
وفي الحديث: كان يتعوذ من همز الشياطين ولمزه وهمسه. قال أبو الهيثم: إذا أسر الكلام وأخفاه فذلك الهمس من الكلام. وسمي الأسد هوسا، لأنه يمشى بخفة فلا يسمع صوت وطئه. وقد تقدم في طه.
الثانية: أمر الله تعالى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين بالتعوذ من الشيطان في همزاته، وهى سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه، وكأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار فتقع المحادة فلذلك اتصلت بهذه الآية. فالنزغات وسورات الغضب الواردة من الشيطان هي المتعوذ منها في الآية، وقد تقدم في آخر الأعراف بيانه مستوفى، وفي أو الكتاب أيضا.
وروى عن علي بن حرب بن محمد الطائي حدثنا سفيان عن أيوب عن محمد بن حبان: «أن خالدا كان يؤرق من الليل، فذكر ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمره أن يتعوذ بكلمات الله التامة من غضب الله وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون».
وفي كتاب أبى داود قال عمر: وهمزه الموتة، قال ابن ماجة: الموتة يعني الجنون. والتعوذ أيضا من الجنون وكيد.
وفي قراءة أبى {رب عائذا بك من همزات الشياطين وعائذا بك أن يحضرون}، أي يكونوا معى في أموري، فإنهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدين للهمز، وإذا لم يكن حضور فلا همز.
وفي صحيح مسلم عن جابر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضر عند طعامه فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه فإنه لا يدرى في أي طعامه البركة».

.تفسير الآيات (99- 100):

{حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}
قوله تعالى: {حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} عاد الكلام إلى ذكر المشركين، أي قالوا: {أَإِذا مِتْنا} إلى قوله: {إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}. ثم احتج عليهم وذكرهم قدرته على كل شي، ثم قال: هم مصرون على ذلك حتى إذا جاء أحدهم الموت تيقن ضلالته وعاين الملائكة التي تقبض روحه، كما قال تعالى: {وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ 50} [الأنفال: 50]. {قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} تمنى الرجعة كي يعمل صالحا فيما ترك. وقد يكون القول في النفس، قال الله عز وجل: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ} [المجادلة: 8]. فأما قوله: {ارْجِعُونِ} وهو مخاطب ربه عز وجل ولم يقل: {ارجعني} جاء على تعظيم الذكر للمخاطب.
وقيل: استغاثوا بالله عز وجل أولا، فقال قائلهم: رب، ثم رجع إلى مخاطبة الملائكة فقال: ارجعون إلى الدنيا، قاله ابن جريج.
وقيل: إن معنى {ارْجِعُونِ} على جهة التكرير، أي ارجعني ارجعني ارجعني وهكذا. قال المزني في قوله تعالى: {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ 50: 24} [ق: 24] قال: معناه ألق ألق. قال الضحاك: المراد به أهل الشرك. قلت: ليس سؤال الرجعة مختصا بالكافر فقد يسألها المؤمن كما في آخر سورة المنافقين على ما يأتي. ودلت الآية على أن أحدا لا يموت حتى يعرف اضطرارا أهو من أولياء الله أم من أعداء الله، ولولا ذلك لما سأل الرجعة، فيعلموا ذلك قبل نزول الموت وذواقة. {لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً} 100 قال ابن عباس: يريد أشهد أن لا إله إلا الله. {فِيما تَرَكْتُ} 100 أي فيما ضيعت وتركت العمل به من الطاعات.
وقيل: {فِيما تَرَكْتُ 100} من المال فأتصدق. و{لَعَلَّ} تتضمن ترددا، وهذا الذي يسأل الرجعة قد استيقن العذاب، وهو يوطن نفسه على العمل الصالح قطعا من غير تردد. فالتردد يرجع إما إلى رده إلى الدنيا، وإما إلى التوفيق، أي أعمل صالحا إن وفقتني، إذ ليس على قطع من وجود القدرة والتوفيق لو رد إلى الدنيا. {كَلَّا} هذه كلمة رد، أي ليس الامر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا، بل هو كلام يطيح في أدراج الريح.
وقيل: لو أجيب إلى ما يطلب لما وفى بما يقول، كما قال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام: 28].
وقيل: {كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها 100} ترجع إلى الله تعالى، أي لا خلف في خبره، وقد أخبر أنه لن يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، وأخبر بأن هذا الكافر لا يؤمن.
وقيل: {إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها 100} عند الموت، ولكن لا تنفع. {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ} 100 أي ومن أمامهم وبين أيديهم.
وقيل: من خلفهم. {بَرْزَخٌ 100} أي حاجز بين الموت والبعث، قاله الضحاك ومجاهد وابن زيد. وعن مجاهد أيضا أن البرزخ هو الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا. وعن الضحاك: هو ما بين الدنيا والآخرة. ابن عباس: حجاب. السدى: أجل. قتادة: بقية الدنيا.
وقيل: الامهال إلى يوم القيامة، حكاه ابن عيسى. الكلبي: هو الأجل ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة. وهذه الأقوال متقاربة. وكل حاجز بين شيئين فهو برزخ. قال الجوهري: البرزخ الحاجز بين الشيئين. والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث، فمن مات فقد دخل في البرزخ.
وقال رجل بحضرة الشعبي: رحم الله فلانا فقد صار من أهل الآخرة! فقال: لم يصر من أهل الآخرة، ولكنه صار من أهل البرزخ، وليس من الدنيا ولا من الآخرة. وأضيف {يَوْمِ} إلى {يُبْعَثُونَ} لأنه ظرف زمان، والمراد بالإضافة المصدر.

.تفسير الآية رقم (101):

{فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (101)}
قوله تعالى: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ} المراد بهذا النفخ النفخة الثانية. {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} قال ابن عباس: لا يفتخرون بالأنساب في الآخرة كما يفتخرون بها في الدنيا، ولا يتساءلون فيها كما يتساءلون في الدنيا، من أي قبيلة أنت ولا من أي نسب، ولا يتعارفون لهول ما أذهلهم. وعن ابن عباس أن ذلك في النفخة الأولى حين يصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. وسأل رجل ابن عباس عن هذه الآية وقوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ 50} [الصافات: 50] فقال: لا يتساءلون في النفخة الأولى، لأنه لا يبقى على الأرض حي، فلا أنساب ولا تساؤل. وأما قوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ 50} فإنهم إذا دخلوا الجنة تساءلوا.
وقال ابن مسعود: إنما عني في هذه الآية النفخة الثانية.
وقال أبو عمر زاذان: دخلت على ابن مسعود فوجدت أصحاب الخير واليمنة قد سبقوني إليه، فناديت بأعلى صوت: يا عبد الله بن مسعود! من أجل أنى رجل أعجمي أدنيت هؤلاء وأقصيتني! فقال: ادنه، فدنوت، حتى ما كان بيني وبينه جليس فسمعته يقول: يؤخذ بيد العبد أو الامة يوم القيامة فينصب على رءوس الأولين والآخرين ثم ينادى مناد: هذا فلان بن فلان، ومن كان له حق فليأت إلى حقه، فتفرح المرأة أن يدور لها الحق على أبيها أو على زوجها أو على أخيها أو على ابنها، ثم قرأ ابن مسعود: {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ 10} فيقول الرب سبحانه وتعالى: «آت هؤلاء حقوقهم» فيقول: يا رب قد فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم، فيقول الرب للملائكة: «خذوا من حسناته فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته» فإن كان وليا لله فضلت من حسناته مثقال حبة من خردل فيضاعفها الله تعالى حتى يدخله بها الجنة، ثم قرأ ابن مسعود:
{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً 40} [النساء: 40]. وإن كان شقيا قالت الملائكة: رب! فنيت حسناته وبقي طالبون، فيقول الله تعالى: «خذوا من أعمالهم فأضيفوها إلى سيئاته وصكوا له صكا إلى جهنم».

.تفسير الآيات (102- 103):

{فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (103)}
تقدم الكلام فيهما.

.تفسير الآيات (104- 105):

{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (105)}
قوله تعالى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} 10 ويقال: {تنفح} بمعناه: ومنه: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ} [الأنبياء: 46]. إلا أن {تَلْفَحُ 10} أبلغ بأسا، يقال: لفحته النار والسموم بحرها أحرقته. ولفحته بالسيف لفحة إذا ضربته به ضربة خفيفة. {وَهُمْ فِيها كالِحُونَ} 10 قال ابن عباس: عابسون.
وقال أهل اللغة: الكلوح تكشر في عبوس. والكالح: الذي قد تشمرت شفتاه وبدت أسنانه. قال الأعمش:
وله المقدم لا مثل له ** ساعة الشدق عن الناب كلح

وقد كلح الرجل كلوحا وكلاحا. وما أقبح كلحته، يراد به الفم وما حواليه. ودهر كالح أي شديد. وعن ابن عباس أيضا {وَهُمْ فِيها كالِحُونَ 10} يريد كالذي كلح وتقلصت شفتاه وسال صديده.
وقال ابن مسعود: ألم تر إلى الرأس المشيط بالنار، وقد بدت أسنانه وقلصت شفتاه.
وفي الترمذي عن أبى سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {وَهُمْ فِيها كالِحُونَ} 10- «قال- تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته» قال: هذا حديث حسن صحيح غريب.

.تفسير الآيات (106- 108):

{قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (106) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (107) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ (108)}
قوله تعالى: {قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا} 10 قراءة أهل المدينة وأبى عمرو وعاصم {شِقْوَتُنا 10} وقرأ الكوفيون إلا عاصما: {شقاوتنا}. وهذه القراءة مروية عن ابن مسعود والحسن. ويقال: شقاء وشقا، بالمد والقصر. وأحسن ما قيل في معناه: غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا، فسمى اللذات والاهواء شقوة، لأنهما يؤديان إليها، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً 10} [النساء: 10]، لان ذلك يؤديهم إلى النار.
وقيل: ما سبق في علمك وكتب علينا في أم الكتاب من الشقاوة.
وقيل: حسن الظن بالنفس وسوء الظن بالخلق. {وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ} 10 أي كنا في فعلنا ضالين عن الهدى. وليس هذا اعتذار منهم إنما هو إقرار، ويدل على ذلك قولهم: {رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ} 10 طلبوا الرجعة إلى الدنيا كما طلبوها عند الموت. {فَإِنْ عُدْنا 10} إلى الكفر {فَإِنَّا ظالِمُونَ 10} لأنفسنا بالعود إليه فيجابون بعد ألف سنة: {اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ} 10 أي ابعدوا في جهنم، كما يقال للكلب: اخسأ، أي أبعد. خسأت الكلب خسئا طردته. وخسأ الكلب بنفسه خسوءا، يتعدى ولا يتعدى. وانخسأ الكلب أيضا.
وذكر ابن المبارك قال: حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة يذكره عن أبى أيوب عن عبد الله بن عمرو ابن العاصي قال: إن أهل جهنم يدعون مالكا فلا يجيبهم أربعين عاما، ثم يرد عليهم: إنكم ماكثون. قال: هانت والله دعوتهم على مالك ورب مالك. قال: ثم يدعون ربهم فيقولون: {رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ. رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (106)}. قال: فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين. قال: ثم يرد عليهم اخسئوا فيها. قال: فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة، وما هو إلا الزفير والشهيق من نار جهنم فشبه أصواتهم بصوت الحمير، أولها زفير وآخرها شهيق. خرجه الترمذي مرفوعا بمعناه من حيث أبى الدرداء.
وقال قتادة: صوت الكفار في النار كصوت الحمار، أوله زفير وآخره شهيق.
وقال ابن عباس: يصير لهم نباح كنباح الكلاب.
وقال محمد بن كعب القرظي: بلغني أو ذكر لي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة... الخبر بطوله، ذكره ابن المبارك، وقد ذكرناه بكماله في التذكرة، وفي آخره: ثم مكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم {أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (106)} قال: فلما سمعوا صوته قالوا ألان يرحمنا ربنا، فقالوا عند ذلك. {رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا (106)} أي الكتاب الذي كتب علينا {وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ. رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (106)} فقال عند ذلك: {اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ 108} فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء، وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجوه بعض، وأطبقت عليهم.